مدونة البوابة

مساحة رأي | لماذا يجب أن نستمر في التحدث عن تمكين المرأة

تأملات في قضايا النوع الاجتماعي أو الجندر في العالم العربي
ar manalhassounprofile

منال حسون، مديرة قسم بناء القدرات ومستشارة تطوير الأعمال في الجمعية اللبنانية للتنمية (المجموعة). منال أيضا خبيرة إقليمية وتشغل دور مدققة مُعتمدة في الجندرة من منظمة العمل الدولية بالإضافة إلى دور نائب رئيس مجلس إدارة  منظمة سلامة العالمية لصحّة الأسرة. لدى منال أكثر من 15 سنة من الخبرة في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية وخاصة في التمويل الأصغر، والجندرة، والسياسات السكانية في المنطقة العربية. كما  قامت بإدارة عدد كبير من المشاريع في تطوير أعمال مؤسسات التمويل الأصغر والتمكين الإقتصادي والإجتماعي لا سيما للمرأة والشباب؛ بالإضافة إلى تطوير العديد من الإستراتيجيات، والمواد، والأدلة التدريبية داخل وخارج لبنان.

تصوير جو سعادة، لبنان. هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

مجهود كبير ودور متراكم لعبه المجتمع المدني من الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية على مدار السنين لبناء مواقف ايجابية من ناحية وعمل مطلبي مع صناع القرار من ناحية أخرى لدمج  النوع الاجتماعي/ الجندر في شمولية الخدمات وتعديل التشريعات. وعلى الرغم من  أن العالم قد أحرز تقدما في المساواة بين الجنسين بموجب الأهداف الإنمائية للألفية (خاصة فيما يشمل التكافؤ في الحصول على التعليم الابتدائي بين البنات والبنين)، إلا أن النساء والفتيات ما زلن يعانين من التمييز والعنف حول العالم مما دفع الأمم المتحددة إلى تخصيص الهدف الخامس للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ضمن ال17 هدفا.

لا يزال هناك الكثير من الجهد المطلوب للحد من التمييز المباشر أو الغير مباشر على المرأة وبالأخص في المنطقة العربية في ظل غياب مراعاة النوع الاجتماعي بصورة شاملة في الخطط الوطنية. وينتج عن ذلك تحديات عدة، مثل عدم الوعي الكافي، وسوء التطبيق، واستمرار صدارة الأعراف الاجتماعية والموروثات الثقافية، وضعف القوانين؛ مما يقلل من فرص اندماج المرأة في المجالات السياسية والاقتصادية، وفي المجتمع المحلي.

ومن خلال مشواري المهني على مدار أكثر من 15 عاما، سنحت لي الفرصة أن أتعامل وأتواصل مع نساء من مختلف الأعمار والخلفيات؛ بل وقمت بتيسيرعدة لقاءات حوارية مصغرة ضمن مشاريع عملت بها. هذه التجربة الثرية ساعدتني في تكوين نظرة عامة على بعض جوانب التمييز التي مازالت تواجهها المرأة العربية والتي أود أن أشارك بها، خاصة وأن الكثير منا يعمل على تمكين المرأة في المجتمعات الفقيرة من خلال توفير المنتجات والخدمات المالية وغير المالية سواء للبدء في أو لتطوير مشروعات صغيرة مدرة للدخل تعود بالنفع عليها وعلى أسرتها.

الموروث الثقافي والتربوي

تتكرر بعض التحديات التي تواجه المرأة في هذا الاطار لاسيما منها المناهج التربوية التي لا تزال تكرس الصورة النمطية للمرأة سواء من خلال دورها في المنزل أو المهن المقبولة. هناك أيضا العادات والتقاليد التي تحد من حرية المرأة في الانتقال خاصة في المناطق الريفية. كما لايزال العنف الأسري للمرأة سواء اللفظي أو غير اللفظي منتشراً لسوء تطبيق القوانين أو قصورها.

الإطار القانوني ولاسيما قوانين الأحوال الشخصية

تم انجاز التقدم في بعض القوانين التي ساعدت في انتزاع المساواة في الحقوق بين الجنسين، لكن لا تزال بعض القوانين العالقة في أدراج المشرعين منها قوانين الأحوال الشخصية ومنح المرأة الجنسية لأولادها من زوج أجنبي (في حالة لبنان)، وقوانين العنف ضد المرأة وجرائم الشرف وما يشوبها من تمييز فيما يحق للرجل ولا يحق للمرأة، منها حضانة الأولاد وغيرها من القوانين.

ريادة الاعمال

تعاني المرأة  من نقص في الفرص المتاحة لتحسين فرص اندماجها بالعجلة الاقتصادية. وحسب تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2018، نجد أن :

  • عدد أصحاب العمل يفوق عدد صاحبات العمل في العالم بأربعة أضعاف 
  • مقابل كل عشرة رجال يعملون هنالك ست نساء فقط يعملن
  • المرأة تواجه فجوات كبيرة في جودة المهن التي تمارسها وغالبا تعمل في القطاع غير المنظم/غير الرسمي
  •  أكثر من 40% من النساء صاحبات المشاريع غير المسجلة يجدن صعوبة في الحصول على قرض من البنوك

إضافة إلى ذلك، إن النقص في الخدمات يقلل من فرص التمكين لاسيما ضعف الوصول إلى التدريب (خاصة في المناطق الريفية). أيضا عدم إدراك المرأة ومحيطها لأهمية التدريب في استدامة المشروع مما يساهم في الفشل. كما أن ضعف الثقة بنجاح المرأة في المشروع من قبل نفسها و من حولها يؤثر سلبيا على إدارة الأعمال بالتزامن مع المسؤوليات العائلية التي تقع على عاتق المرأة بصورة أكبر، مما يحصر عمل المرأة في قطاعات واختصاصات محددة. وفي ظل غياب دعم الدولة لمشاريع المرأة المدرة للدخل، تزداد صعوبة وصولها إلى الأسواق.

 وصول المرأة إلى الخدمات المالية والحصول عليها

على الرغم من أن القوانين أعطت المرأة الحق بالإدخار، والتأمين، والتمويل وغيرها، إلا أن التطبيق لدى المؤسسات المالية المصرفية ومؤسسات التمويل الأصغر تضع شروطاً وإجراءات على المرأة بأن تأخذ موافقة زوجها عند أي من المعاملات المالية لاسيما بخصوص تشديد الضمانات على المرأة واشتراط معرفة وتوقيع زوجها وعدم استفادتها من الامتيازات التي يستفيذ منها الرجل مثل الخصوصية المالية.

صناعة القرار على الصعيد الشخصي

تعاني المرأة  من تهميش لوصولها إلى صناعة القرار على الصعيد الشخصي بدءا من اتخاذ القرارات الشخصية والمالية والأسرية ووصولا إلى حرية التعبير عن الرأى السياسي في الانتخاب أو حتى المشاركة في الحياة العامة والسياسية المحلية. حتى في العمل،  هناك ضعف في فرص وصول المرأة إلى الوظائف الاستراتيجية.

المساواة بين الجنسين في ظل الأزمات

برز تحدي جديد على صعيد المساواة بين الجنسين عند تفاقم الأزمات في المنطقة نتيجة النزاعات المسلحة والنزوح خاصة في لبنان، وتركيا، وليبيا، واليمن، والعراق والأردن، حيث تفجرت التحديات أعلاه على كل الأصعدة بسبب ضعف استقلالية القرار وعدم وجود آليات لحماية حقوق اللاجئات والنازحات. وفي ظل هشاشة الأوضاع، انتشرت قضايا العنف، والتحرش الأسري  أو في أماكن العمل، والزواج القسري، وعدم القدرة على التحكم في الموارد المالية.

العمل المشترك هو الحل

في الختام، يبقى العمل المشترك بين الحكومات والمنظمات الوطنية والدولية سبيلاً للحد من التحديات من خلال العمل على رفع مستوى الوعي وتحسين السياسات والتشريعات الداعمة ومراقبة تطبيقها لاسيما من خلال:

  • العمل على زيادة التدريب و التوجيه لتغيير العقلية النمطية وبناء الثقة بالمرأة.  
  • بناء تحالفات مع جهات حكومية ودولية للعمل على قوانين لدعم التمكين الاقتصادي للمرأة.
  • بناء استراتيجيات متوازنة ومتكاملة بين خدمات المجتمع المدني والخدمات الحكومية.
  • تقديم خدمات متكاملة مالية وغير مالية للوصول الى أثر إيجابي في التمكين الإقتصادي للمرأة.
  • تنفيذ مشاريع مبنية على حقوق واحتياجات المرأة وليس إنطلاقاً من الحاجة الآنية أو أولويات الجهات الممولة من حيث المناطق أو الفئات المستهدفة.
  • العمل على التأمين الصحي الصغير لصاحبات المشاريع الصغيرة حيث أن معظم النفقات والمديونية والتعثر نتيجة الطوارىء الصحية للأسرة.
  • العمل على توعية وكسب تأييد وسائل الإعلام والإعلاميين من أجل تغيير الصورة النمطية للمرأة ومشاركة قصص النجاح لرائدات الأعمال.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.