غزة: سيلعب التمويل الأصغر دوراً حاسماً في التعافي الاقتصادي ما بعد الصراع
معتز أبو مويس، مدير مالي لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) ضمن برنامج التمويل الأصغر. في جعبته أكثر من 21 عامًا من الخبرة في الأدوار التنفيذية، وخبرة واسعة في العمليات المالية داخل الأمم المتحدة وقطاع التمويل الأصغر والقطاع الخاص. شغل سابقاً منصب مسؤول الإشراف وتنظيم مؤسسات التمويل الأصغر في سلطة النقد الفلسطينية. مناصر وداعم لقضايا الشمول والابتكار في قطاع التمويل الأصغر والمتخصص.
لقد سجلت الأونروا 1.7 مليون شخص - 75% من سكان قطاع غزة - كنازحين داخلياً، وقد خسر أكثر من مليون فرداً منازلهم. وتنتشر سوء التغذية الحاده إضافة إلى إنعدام الأمن الغذائي في غزة على نطاق واسع، حيث أنّ أكثر من نصف عدد السكان مهدد بالمجاعة. جميع الأطفال خارج المدارس، حيث انهار النظام التعليمي، ومن المقدر أن 17,000 طفلاً قد انفصلوا عن عائلاتهم.
سرعة تدهور الظروف والبنية التحتية المدمرة
بالإضافة إلى الخسائر البشرية الضخمة، تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية الحيوية في غزة، بما في ذلك الطرق والمستشفيات والمدارس والجامعات والمباني الحكومية والمنشآت الاقتصادية والزراعية بسبب الصراع. تُقدر تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة بمبلغ هائل قدره 18.5 مليار دولار. هذا الرقم يعادل 97% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعين في عام 2022. ووفقاً لتوقعات الأمم المتحدة، فإن التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار تُقدر بأن تكون "على الأقل" 40 إلى 50 مليار دولار.
نحو التعافي الاقتصادي ودور التمويل الاصغر
عاجلاً أم آجلاً - وأتمنى أن يكون عاجلاً - سينتهي الصراع في قطاع غزة. في تلك اللحظة، سيواجه الناجون حياة مليئة بالصعوبات التي لا يمكن تصورها. فقط بالدعم من المجتمع الدولي سيتمكن الناجون من إعادة بناء حياتهم. يجب على القطاع العام والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر (MFIs) أن يلعبوا جميعاً أدواراً داعمة.
إن خلق فرص العمل أمر أساسي كي يبدأ التعافي الاقتصادي في غزة، إذ يشكل الأساس للاستقرار والتقدم والأمن المجتمعي. تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة رافعة مهمة للتعافي في هذا الصدد. في حين أن القطاع الرسمي عادة ما يشهد تباطؤاً في النمو بعد الصراعات. يميل القطاع غير الرسمي إلى النمو السريع حيث يلجأ الناس إلى الأنشطة المدرة للدخل والمشاريع الصغيرة لتوفير دخل الأًسر. لذلك، ستكون خدمات التمويل الأصغر مهمة للمساعدة في إعادة تأسيس ونمو المشروعات الصغيرة خلال فترة ما بعد الصراع.
التمويل الأصغر الفلسطيني قبل الصراع
تم تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر في فلسطين من قبل سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي الفلسطيني) لأكثر من عقد من الزمن وتعتبر عنصراً أساسياً في دعم الفئات المهمشة مالياً وتعزيز الشمول المالي. قبل نهاية عام 2023. وفقاً لشبكة التمويل الأصغر الفلسطينية، كان هناك تسع مؤسسات تمويل أصغر، منظمة وغير إيداعية بين الضفة الغربية وغزة، مع 76,000 مقترض نشط ومحفظة قدرها 367 مليون دولار. سبع من هذه المؤسسات كانت تعمل في غزة، حيث كان هناك 21,600 عميل نشط ومحفظة إجمالية قدرها 54 مليون دولار.
رغم أن سكان غزة يمثلون 41% من إجمالي السكان الفلسطينيين في المنطقتين، فإن 28% فقط من العملاء كانوا من غزة وأقل من 15% من إجمالي محفظة التمويل الأصغر الفلسطيني كانت مستثمرة في قطاع غزة، بسبب المخاطر الائتمانية والتشغيلية والتنظيمية الأكبر هناك، بالإضافة إلى المخاطر السياسية وعدم الاستقرار. كان متوسط حجم القرض في غزة أقل من نصف ذلك في الضفة الغربية، مع متطلبات ضمان أكثر صرامة بسبب زيادة المخاطر.
كانت المحفظة المعرضة للخطر (PAR>30 days) قبل أكتوبر 2023 حوالي 8%. كانت النساء يمثلن 30% من جميع المقترضين الناشطين. قبل الصراع، كانت جميع مؤسسات التمويل الأصغر الفلسطينية متعافيه مالياً وقائمة بذاتها، بعد فترات من الدعم عبر التبرعات والمنح.
تأثيرالصراع على التمويل الأصغر في غزة
الآن وبعد ثمانية أشهر من بدء الصراع، من المتوقع أن تخسر هذه المؤسسات 100% من محفظتها الإجمالية البالغة 54 مليون دولار في غزة، مع احتمال ضئيل جداً لتعويض هذه الخسائر. لقد توقفت مؤسسات التمويل الأصغر تماماً عن جميع أنشطة الإقراض، بما في ذلك تلقي السداد. بدلاً من ذلك، تستعد هذه المؤسسات لمرحلة التعافي بعد الصراع من خلال البدء في تقييم الأضرار التي لحقت بأصولها وتنظيم خطط لإعادة الهيكلة وإعادة التمويل.
في بداية الصراع، كانت هناك بعض الآمال والأفكار الأولية بشأن إعادة هيكلة وإعادة تمويل المحفظة السابقة ما قبل الصراع. ومع ذلك، ومع استمرار الصراع وتعميق الدمار، أصبحت مؤسسات التمويل الأصغر مقتنعة بأنه لا يوجد احتمال لمثل هذا الإجراء. وبالنظر إلى الطبيعة الكارثية للوضع، من المحتمل أن يتم استبعاد عمليات إعادة الهيكلة والتمويل للمحفظة السابقة للصراع تماماً، حيث سيكون من شبه المستحيل استرداد تلك القروض.
كيفية بدء العمل بالتمويل الأصغر في غزة بعد الصراع
قبل أن يبدأ العمل على التعافي الاقتصادي، يجب أن يكون هناك مستوى مقبول من الأمن في غزة، مع استقرار الناس إما في منازلهم أو في مخيمات اللاجئين. فقط عندئذ يمكن للتمويل الأصغر أن يبدأ في دعم التعافي والنمو، مما يضمن توفر النقد والأسواق العاملة وبعض الخدمات مع إعادة بدء النشاط الاقتصادي المحدود.
للبدء، يجب أن تجري مؤسسات التمويل الأصغر في غزة بعد الحرب أبحاثاً سوقية وإحصائية شاملة ومفصلة لتكون قادرة على فهم أوضاع عملائها المستهدفين وتصميم الخدمات المالية المناسبة لهم. على سبيل المثال، يجب أن تكون القروض الممنوحة للأنشطة الزراعية ذات شروط قروض طويلة مع فترة سماح كافية. بشكل عام، يجب أن تكون المنتجات المالية المقدمة في فترة ما بعد الصراع مرنة وذكية من حيث الضمانات والأسعار والشروط وفترات السماح.
سيكون الالتزام القوي بالأداء الاجتماعي، والتمويل المسؤول ومبادئ حماية المستهلك أمراً أساسياً، حيث أن السكان الذين يتم خدمتهم سيكونون ضعفاء للغاية وفي حاجة إلى الدعم بعد الصراع. بينما ستلعب مؤسسات التمويل الأصغر دوراً مهماً في التعافي ما بعد الصراع، يجب إدارة هذا الدور بحكمة حتى لا تُثقل العائلات بالديون إذا لم تستطع تلبية الاحتياجات الأساسية. من المحتمل أن تكون هناك حاجة ملحة في البداية إلى المنح بدلاً من القروض لدعم التعافي للأسر التي فقدت كل شيء.
في هذه الأوضاع، من المهم وضع تمييز واضح بين المنح والقروض، حيث إن خلط هذين التدخلين في الماضي قد تسبب في ارتباك وصعوبات كبيرة لمقدمي التمويل الأصغر، مما أدى إلى سوء فهم دور ونموذج عمل مؤسسات التمويل الأصغر. يجب أن تكون برامج الإغاثة شفافة، بأهداف واضحة ومجموعات مستهدفة، ويجب ألا تُستخدَم مؤسسات التمويل الأصغر كقناة لتوزيع المنح والمساعدات الإنسانية.
من ناحية التمويل، يجب دعم مؤسسات التمويل الأصغر برأس المال اللازم للنفقات الرأسمالية وإعادة الإقراض، ويجب أن يكون هذا الدعم شاملاً ومستداماً، خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى. يمكن أن تكون التمويلات الممزوجة والشراكات بين القطاعين العام والخاص نهجاً فعالاً للغاية.
نحو إعادة البناء
أولئك الذين يعملون في قطاع التمويل الأصغر قد لا يكونوا قادرين على إيقاف الصراع أو التحكم في نتيجته. لكن بمجرد انتهاء الصراع، يمكننا أن نكرس أنفسنا للمهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء المنطقة واعادة الأمل لسكانها.