مدونة البوابة

كيف تُحدث الرقمنة اضطرابًا في الإقراض القائم على الضمانات

صوفي سيرتين

صوفي سيرتين، الرئيس التنفيذي لسيجاب

 

اندرميت جيل

اندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس لاقتصاديات التنمية

 

 

في عالم المال سريع الإيقاع، تُحدث الرقمنة المستمرة اضطرابًا في القواعد التقليدية للمصارف، مع عواقب عميقة. فقد أصبحت حياتنا أكثر رقمية في التسوق، والتفاعلات الاجتماعية، والأخبار، وجمع المعلومات، على سبيل المثال لا الحصر.

يُنتَج حاليًا كم هائل من البيانات الشخصية بشكل يومي. وتشير إحصاءات "Statista" إلى أن إجمالي البيانات التي تم إنشاؤها ونسخها واستهلاكها عالميًا قد ارتفع من 2 زيتابايت في عام 2010 إلى 149 زيتابايت في عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر في الازدياد بشكل كبير. وللتوضيح، فإن كل زيتابايت من البيانات يحتاج إلى مليار قرص صلب بسعة تيرابايت واحد، وهو ما يعادل تخزين 6.5 مليون وثيقة.

وبسبب الكم الهائل من البيانات الشخصية وعملية الرقمنة التي تبدو لا تُوقف، فإن مفهوم الضمانات (التي تُستخدم لتأمين القروض) يتطور أيضًا. نحن نتوقع مستقبلًا يمكن أن تكون فيه ثروة الفرد رقمية، وتُقيَّم فيه الجدارة الائتمانية استنادًا إلى ما هو أبعد من الضمانات التقليدية كالعقارات والأصول المادية.

نحن نرى بالفعل بدايات هذا المستقبل. فمثلًا، تُستخدم الآن البيانات الناتجة عن المعاملات اليومية مثل التسوق في البقالة لتقييم الجدارة الائتمانية.

البيانات قد تصبح الضمان الجديد

لطالما اعتمد الإقراض على الضمانات المادية. لكن هذا النموذج استبعد عددًا كبيرًا من المقترضين المحتملين، وخصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر (MSMEs)، والتي تمثل 90٪ من الشركات وأكثر من 50٪ من العمالة عالميًا. وغالبًا ما تفتقر هذه المؤسسات إلى الضمانات اللازمة للحصول على قروض تدعم نموها ومرونتها. ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن نحو 80٪ من القروض التي تتطلب ضمانات، تطلب ضمانًا عقاريًا، في حين أن حوالي 75٪ من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تملك سوى أصول منقولة مثل المعدات والمخزون.

ستكون الابتكارات ضرورية لإزالة الحواجز التي تحدّ من وصول الشركات الصغيرة إلى التمويل. من بين هذه الابتكارات: نظم التقييم الائتماني البديلة، والإقراض بناءً على التدفقات النقدية والبيانات الناتجة عن المعاملات، والتي بدأت تستخدم البيانات الرقمية كضمان.

وقد أظهرت دراسة حديثة لـ CGAP حول التقييم الائتماني البديل أن تحليل البيانات الناتجة عن المعاملات للمؤسسات الصغيرة والعمال في المنصات الرقمية يمكن أن يُقيِّم الجدارة الائتمانية بنفس فعالية السجل الائتماني التقليدي. وتشمل "آثار البيانات" هذه المبيعات، والمصاريف، والطلبات، والفواتير، والتي يمكن أن تشكل سجلًا موثوقًا للسلوك المالي. وعند الجمع بين البيانات الناتجة عن المعاملات والتاريخ الائتماني، تزداد دقة التقييم، مما يساعد مزيدًا من الشركات الصغيرة في الحصول على القروض، دون زيادة المخاطر على الممولين. كما تسمح هذه البيانات للمقرضين بتخصيص القروض، مثل تعديل شروط السداد لتتناسب مع تقلبات التدفقات النقدية لدى المقترض.

ومع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتزايد حجم البيانات المنتَجة، فإن إمكانات تحسين نماذج التقييم الائتماني كبيرة للغاية، وما رأيناه حتى الآن لا يتعدى القمة الظاهرة للجبل الجليدي.

كما أظهرت نماذج التمويل المدمج—والتي تدمج الخدمات المالية في المنصات أو المنتجات غير المالية—وعلى وجه الخصوص الإقراض القائم على التدفقات النقدية، وعودًا كبيرة في دعم صغار تجار التجزئة عبر توفير خدمات مالية سهلة ومخصصة لهم.

وقد درست CGAP عددًا من النماذج التي تستخدمها شركات التكنولوجيا المالية لتمويل تجار التجزئة الصغار. ففي أمريكا اللاتينية، مثلًا، أشار أحد المنصات الكبرى للتجارة الإلكترونية إلى أنه قد منح قروضًا للبائعين استنادًا إلى بيانات معاملاتهم. وذكر حوالي 50٪ من هذه الشركات أنهم لم يتمكنوا من الحصول على تمويل من أي مصدر آخر، بينما قال أكثر من 60٪ منهم إن أعمالهم قد نمت نتيجة لذلك.

دور البيانات سيصبح أكثر أهمية مع اعتماد المزيد من الدول للتمويل المفتوح

من خلال أنظمة التمويل المفتوح، يمكن للعملاء منح الإذن للمؤسسات المالية باستخدام بياناتهم لتقديم خدمات محسّنة وتطوير نماذج أعمال مبتكرة.

فقد تم صرف أكثر من 10 مليارات دولار من القروض عبر "إطار تجميع الحسابات" في الهند—وهو نظام التمويل المفتوح الخاص بها—منذ إطلاقه في سبتمبر 2021. ومن اللافت أن نصف هذا التمويل حدث في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2024، وكانت البيانات المستخدمة لتقييم الجدارة الائتمانية تعتمد أساسًا على كشوفات الحسابات البنكية.

 

عصر ذهبي جديد لتمكين المستهلكين من بياناتهم

قد تأتي هذه التحولات في وقتها المناسب. فبحسب تقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن يصل نحو 1.2 مليار شاب في الاقتصادات الناشئة إلى سن العمل خلال العقد القادم. وقد يُسهم استغلال البيانات المتزايدة ورقمنة الخدمات المالية في توفير فرص جديدة لهم لبدء وتوسيع المشاريع الصغيرة، بما يوفر وظائف وسبل عيش.

وقد يُغيِّر هذا التحول مستقبل المؤسسات الصغيرة التي تقودها نساء في الدول منخفضة الدخل، والتي غالبًا ما تواجه تحديات في الحصول على التمويل بسبب نقص الضمانات أو بسبب القيود الاجتماعية. وفي حين أن البنوك التقليدية قد تعتبرها عالية المخاطر، يمكن للبيانات الرقمية أن تغير واقعها. فعن طريق استخدام بياناتهن، تستطيع هذه المؤسسات الحصول على قروض مُصمَّمة لتناسب احتياجاتهن، مما يمكنهن من شراء معدات أفضل وتوظيف مزيد من العمال.

وقد تجلى هذا من خلال مبادرة تمويل رائدات الأعمال (We-Fi) التابعة للبنك الدولي، والتي تعاونت مع أحد البنوك التجارية في نيجيريا لتقديم قروض قائمة على التدفقات النقدية للمؤسسات الصغيرة بدون الحاجة إلى ضمانات مادية. وقد أظهرت هذه المبادرة معدلات سداد إيجابية، حيث أبلغ البنك عن معدل سداد بلغ 99٪ على مدى 32 شهرًا.

ومع توفر البيانات الرقمية بشكل أكبر، ستتنافس المؤسسات المالية على تقديم أفضل المنتجات استنادًا إلى تلك البيانات، مما سيحفّز الابتكار ويُحسّن الخدمات المالية للمستهلكين.

التحول المقبل يحمل إمكانات هائلة

نحن على أعتاب عصر جديد يمكن أن يمكّن الفئات المهمشة ويُعيد تشكيل المشهد الاقتصادي. ولتحقيق إمكانات البيانات الرقمية، هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في ثلاثة مجالات:

  1. البنية التحتية الرقمية الشاملة (DPI):
    لضمان استفادة جميع المواطنين من الابتكارات المالية القائمة على البيانات، ينبغي أن تركز الحكومات على تطوير بنية تحتية رقمية شاملة، لا سيما للمجتمعات الريفية والنساء.

  2. تعزيز حماية المستهلك وخصوصية البيانات:
    مع توسع الخدمات المالية القائمة على البيانات الرقمية، يجب على الحكومات والمقدّمين الماليين تعزيز حماية المستهلك، وأمن البيانات، والتعليم المالي. كما ينبغي تعزيز التعاون بين الجهات التنظيمية المالية وغير المالية لضمان مزيج تنظيمي يوازن بين الابتكار وحماية المستهلك.

  3. جمع البيانات المصنفة حسب النوع الاجتماعي:
    لكي تستفيد النساء بشكل كامل من هذه التحولات، من الضروري جمع وتحليل بيانات مصنفة حسب النوع، ما يُمكِّن من تقديم منتجات مالية مناسبة وفعالة لهن، ويساعد في سد الفجوة بين الجنسين في الحصول على الخدمات المالية.

من خلال هذه الخطوات، يمكننا ضمان أن تؤدي هذه الموجة القادمة من التحول إلى نظام مالي أكثر شمولًا وإنصافًا، يستخدم البيانات الرقمية لتمكين المجتمعات المهمشة.

 


لقراءة النسخة الإنكليزية للمقال، أنقر هنا

نُشرت مقتطفات من هذا المقال لأول مرة في مجلة "The Banker

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.