مدونة البوابة

التمويل الإسلامي والأداء الاجتماعي: مواءمة الإيمان مع الأثر

زياد الرفاعي

زياد الرفاعي كبير أخصائيي استراتيجيات الشمول المالي وتصميم أنظمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتحول المؤسسي

القطعة المفقودة: الطلب غير الملبى على مستوى التمويل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي

في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، يبقى عشرات الملايين خارج المنظومة المالية الرسمية—ليس بسبب نقص الطموح أو النشاط الاقتصادي، بل لأن الخدمات المالية المتاحة لهم غالبًا ما تتعارض مع قيمهم الدينية أو الأخلاقية. ووفقًا للبنك الإسلامي للتنمية، فإن 27٪ فقط من البالغين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديهم حساب مصرفي، وأكثر من 40٪ من الأفراد المستبعدين ماليًا في الدول ذات الأغلبية المسلمة يذكرون الأسباب الدينية كسبب لتجنب المؤسسات المالية التقليدية.

في العراق، على سبيل المثال، يكاد التمويل الأصغر الإسلامي يكون غائبًا تمامًا رغم وجود عدد كبير من غير المتعاملين مع البنوك وزيادة الطلب من الشباب والمجتمعات النازحة. أما في السودان، حيث يُعتبر التمويل الإسلامي هو السائد على المستوى الكلي، فإن الوصول إلى المنتجات الصغيرة المتوافقة مع الشريعة محدود خارج المراكز الحضرية. وفي الأردن، رغم أن البيئة التنظيمية فتحت الأبواب أمام التمويل الأصغر الإسلامي، إلا أن تنوع المنتجات المتاحة لا يزال محدودًا ولا يلبي احتياجات رواد الأعمال في القطاع غير الرسمي. أما في سوريا، فإن المجتمعات المحلية التي تعيد بناء حياتها بعد سنوات من الصراع غالبًا ما تضطر للاعتماد على الإقراض غير الرسمي أو الاستغلالي، نظرًا لغياب آليات مالية متوافقة مع الشريعة يمكن توسيع نطاقها لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ورغم هذه الاحتياجات الواسعة، لا يمثل التمويل الأصغر الإسلامي سوى أقل من 1٪ من محافظ التمويل الأصغر العالمية، ولا تزال معظم أصول التمويل الإسلامي مركزة في القطاع المصرفي التجاري أو إدارة الثروات. هذا الخلل الهيكلي يترك ملايين الأشخاص—خاصة النساء والشباب وأصحاب المشاريع الصغيرة—دون أدوات للتعافي أو الاستثمار أو النمو. النتيجة ليست فقط فرصة سوقية ضائعة، بل هي فشل في التنمية والشمول يجب معالجته على وجه السرعة.


الأسس المشتركة: التمويل الإسلامي والأداء الاجتماعي يتحدثان لغة واحدة

في جوهرهما، يستندان كل من التمويل الإسلامي وإطار معايير الأداء الاجتماعي (SPS) إلى مبادئ أخلاقية مشتركة: العدالة، والإنصاف الاجتماعي، والشفافية، وحماية كرامة الإنسان. بينما يستمد التمويل الإسلامي فلسفته من مقاصد الشريعة التي تؤكد على رفاهية الإنسان، والمساواة الاجتماعية، والسلوك الاقتصادي الأخلاقي، تم تطوير المعايير من قبل قوة مهام الأداء الاجتماعي (SPTF) لتوجيه مزودي الخدمات المالية نحو استراتيجيات تتمحور حول رفاهية العميل، وتقديم الخدمات بمسؤولية، وتحقيق الأهداف الاجتماعية.

كلا الإطارين يرفض الممارسات الاستغلالية ويشجع المؤسسات على خدمة الفئات المهمشة بنزاهة وهدف واضح. ومع ذلك، فإنهما يعملان غالبًا في عوالم متوازية: قد يركز مزودو التمويل الأصغر الإسلامي على الامتثال الشرعي في هيكلة المنتجات، بينما يغفلون عن أدوات منهجية لقياس نتائج العملاء أو الأثر الاجتماعي. في المقابل، قد لا تدرك المؤسسات الملتزمة بمعايير الأداء الاجتماعي كيف يمكن لمبادئ التمويل الإسلامي تعميق مهمتها وتوسيع نطاق وصولها. حان الوقت لردم هذه الفجوة.


من الامتثال إلى الأثر: لماذا يحتاج التمويل الإسلامي إلى معايير الأداء الاجتماعي؟

يفتخر العديد من المؤسسات المالية الإسلامية بالتزامها بالعقود المتوافقة مع الشريعة—مثل المرابحة، المضاربة، الإجارة، أو القرض الحسنلكن الامتثال وحده لا يضمن القيمة الاجتماعية. التمويل الإسلامي الحقيقي يجب أن يتجاوز هيكل المنتج ليطرح السؤالهل نحسّن حياة العملاء حقًا؟ هنا تبرز قوة معايير الأداء الاجتماعي كإطار عملي فعال.

من خلال تبني معايير الأداء الاجتماعي، يمكن لمزودي التمويل الإسلامي ضمان توافقهم مع القيم الإسلامية، وفي الوقت ذاته قياس ما يهم فعليًا—حماية العميل، الصحة المالية، تمكين المرأة، والوصول إلى الفئات الضعيفة. في البيئات الهشة مثل لبنان، حيث عملت مع مؤسسات تعيد البناء بعد الانهيار الاقتصادي، أو في سوريا، حيث تعيد المجتمعات تشغيل أعمالها وسط عدم الاستقرار، أصبح تطبيق منظور اجتماعي على التمويل الإسلامي أمرًا ضروريًا لا خيارًا.

إدارة الأداء الاجتماعي تمنح المؤسسات الإسلامية الأدوات اللازمة لتتبع النتائج بشكل منهجي، وتقليل انحراف الرسالة، وتعزيز الثقة مع العملاء، والمتبرعين، والجهات التنظيمية على حد سواء. إنها الجسر بين التمويل المستند إلى الإيمان والتنمية القائمة على الأدلة.


دعوة إلى العمل: تمويل قائم على الإيمان بأثر قابل للقياس

حان الوقت ليتطور التمويل الإسلامي—ليس بالابتعاد عن مبادئه الدينية، بل بالتعمق فيها. من خلال تبني معايير الأداء الاجتماعي، يمكن للمؤسسات المالية الإسلامية أن تتحول من مجرد الامتثال إلى كونها قوة تغيير حقيقية. يمكنها أن تثبت أن التمويل القائم على الإيمان ليس أخلاقيًا في النظرية فحسب، بل مؤثرًا في الممارسة—يحدث فرقًا حقيقيًا لرائدات الأعمال في طرابلس، والشباب النازح في الرقة، والمزارعين الريفيين في الكرك.

كما يجب على الجهات الفاعلة في التنمية، والمتبرعين، والجهات التنظيمية إدراك هذه الفرصة: دعم وتحفيز مزودي التمويل الإسلامي الملتزمين بالنتائج الاجتماعية، وليس فقط العوائد المالية. الإمكانات هائلة—ولكن لن تتحقق إلا إذا بنينا الجسور الصحيحة بين القيم والأنظمة والعمل. التمويل الإسلامي ليس مجرد بديل؛ بالنسبة للكثيرين، هو الطريق الوحيد للمضي قدمًا. فلنضمن أن يؤدي هذا الطريق إلى الكرامة، والشمول، والأثر القابل للقياس.

 


تم نشر هذا المقال باللغة الإنكليزية أيضاً ويُمكن قرائته عبر الرابط التالي

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.