مدونة البوابة

كيف يجب أن يستجيب مقدمو الخدمات المالية لوباء كوفيد-19؟

تتطلب الممارسة الجيدة من مقدمي الخدمات المالية أن يكون لديهم خطط لاستمرارية الأعمال في حالات الطوارئ. إلا أن الأمر مختلف هذه المرة. فما هي خطة استمرارية الأعمال لمؤسستكم في مواجهة الوباء ؟
الصورة من مدونة مركز الإدماج المالي - أكسيون.

هناك العديد من الجهود التي بذلت على مر السنين و بواسطة مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة المعنيين بمجال التمويل الشامل من أجل دعم مقدمي الخدمات المالية لإعطاء الأولوية للاستعداد للكوارث و الاستجابة لها.  و قد تضمن ذلك التدريب الذي تقوم به شبكة سيب بعنوان الحدّ من مخاطر الكوارث، و تقرير صندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية حول النجاة من الكوارث ، و التوجيهات الإرشادية لمنظمة World Vision. إلا أن أثر وباء كوفيد 19  سوف يتطلب أكثر بكثير من أي خطة جيدة لاستمرارية الأعمال. لأن طبيعته المنهجية تعني الحاجة إلى أدوات تتجاوز قدرات أي مقدم خدمات مالية بمفرده.

 أثر وباء كوفيد 19 سوف يتطلب أكثر بكثير من أي خطة جيدة لاستمرارية الأعمال.

نقوم في هذا المقال  بالتركيز على دور مقدمي الخدمات المالية كأصحاب مصلحة رئيسيين في عملية الاستجابة لهذا الوباء ، مع العلم بأن التعامل مع الآثار الناتجة عن الوباء سوف تستعدي العديد من الإجراءات التي يتم اتخاذها بواسطة آخرين من حكومات و جهات مانحة و مستثمرين و  القطاع غير الهادف للربح.

البدء بضمان سلامة و أمن موظفي مقدم الخدمات المالية

إن مقاطع الفيديو الخاصة بالسلامة التي تعرضها شركات الطيران ، تخبرنا بإعطاء الأولوية لأقنعة الأكسجين الخاصة بنا قبل القيام بمساعدة الآخرين. و ينطبق ذلك على استجابة مقدم الخدمات المالية للوباء: فيجب على مقدمي الخدمات المالية إعطاء الأولوية لسلامة و أمن موظفيهم. و من الأمور المثيرة للإعجاب ، عدد خطابات و بيانات المديرين التنفيذيين الصادرة  بشأن سلامة و أمن الموظفين – ليس فقط من قبل قطاع الشركات ، بل من قبل صناعة التمويل بشكل شامل. كما قامت مؤسسات التمويل الأصغر في الصين بإعطاء الأولوية لصحة الموظفين عن طريق توفير معلومات حول كيفية حماية أنفسهم و تمكينهم من العمل في المنزل و منحهم أدوات من أجل البقاء على اتصال بعملائهم رقميا. كما يوجد تقرير لشركة "ماكينزي" يقوم بتقديم مقترحات حول زيادة المهام اليومية من أجل إضافة المزيد من السلامة ، و كذلك يوجد خطاب صريح من مختبر أكسيون موجّه إلى الشركات الناشئة  التي استثمر فيها المختبر ويقدم لهم بعض الإجراءات السريعة التي يجب اتخاذها من أجل تحسين سلامة الموظفين. إلا أن الأمر غير الواضح هو ما الذي تقوم به المؤسسات الصغيرة بالبلدان الأخرى لحماية موظفيها (مؤسسات التمويل الأصغر أو الجمعيات التعاونية أو شبكات البريد أو مقدمي الخدمات الآخرين).

الدعوة إلى المساعدة المباشرة للمجتمعات التي يتم خدمتها

لقد أشرت في مقال سابق إلى أن الآثار على الأسر و الشركات ستكون واسعة النطاق و أن الطبيعة المنهجية للوباء تعني أن هذه الآثار سوف تكون طويلة الأجل. و هذا يعني أنه لا توجد استجابة معقولة للوباء إلا مع وجود دعم مباشر للأفراد. و لن يقتصر الأمر على اتخاذ إجراءات للمساعدة المباشرة مثل ما تم في الولايات المتحدة و كندا ، بل تم ذلك أيضا في الاقتصاديات النامية مثل المساعدات الغذائية لأكثر الفئات ضعفا في مصر و تحويلات للمساعدات النقدية و الغذاء للمستضعفين في الهند.

يجب على المؤسسات المالية تشجيع الحكومات و المنظمات الإنسانية على تقديم هذا النوع من المساعدات المباشرة. و هذا أمر جيد لعملائهم و كذلك هو جيد من أجل التعافي الاقتصادي بشكل عام. و حقيقة الأمر ، أن مقدمي الخدمات المالية الذين ساهموا في المساعدة على الاستجابة الإنسانية المباشرة في مواقف الأزمات الأخرى ؛ قد شهدوا فوائد ملموسة مثل زيادة الثقة و الولاء و تحسين السمعة (انظر دراسة الحالة التي أجرتها مجموعة البنك الدولي و تقرير منظمة Vision Fund). لقد قام مقدمو الخدمات المالية في حالات الكوارث ، بالمساعدة في التحديد السريع للمجتمعات و العملاء الذين يحتاجون إلى مساعدة الإغاثة، كما أنهم قاموا بالمساعدة في توزيع هذه المساعدات.

و بالرغم من ذلك ، فعندما يقوم مقدمو الخدمات المالية بتوزيع المنح بشكل مباشر ، فقد يؤدي ذلك إلى التباس الفهم بين العملاء بشأن التزامات ديونهم ، و قليل من مقدمي الخدمات المالية هم الذين يستطيعون إدارة مبادرات المنح و القروض في وقت واحد. و قد ثبت أن قليل من الفصل بين هذه الأنشطة يكون أكثر فعالية.

و قد يكون هناك أدوار محدودة لمقدمي الخدمات المالية بخلاف تسهيل التحويلات النقدية المباشرة من الحكومات و المنظمات الإنسانية ، و ذلك عندما تأتي المساعدات في حالة الوباء في شكل مساعدة نقدية أو اختبار عدوى أو رعاية صحية. و مثلما هو الحال بالنسبة لوباء الإيبولا ، قد يكون دور القنوات الرقمية له صلة أكثر بالتحويلات النقدية للأسواق التي تتوفر فيها بالفعل البنية التحتية الرقمية. هناك الكثير من الدروس المستفادة من كل من الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول و شراكة التعلّم النقدي CaLP  التي يمكن الاستعانة بها عند تصميم الاستجابات الصحيحة لهذا الوباء.

استعادة (أو مواصلة) الخدمات الأساسية لتعزيز استراتيجيات العملاء على التأقلم و جهود إعادة البناء

يجب على مقدمي الخدمات المالية عدم تقليص أنشطتهم أثناء حدوث الوباء ؛ و ذلك بشرط أن يكونوا قادرين على الاستمرار في ممارسة أعمالهم. كما أن المؤسسات التي تقبل الودائع لها أهمية كبرى خلال انتشار الأوبئة. لأن الأشخاص سوف يحتاجون إلى الوصول الفوري إلى مدخراتهم ، و يجب على مقدمي الخدمات المالية ضمان عدم تعطّل هذا الشريان المهم لحياتهم. و نرى بعض المؤسسات تقوم باتخاذ تدابير مذهلة من أجل الإبقاء على مزاولة الأعمال بشكل آمن لعملائها. فعلى سبيل المثال ، قامت المجموعة المهنية لبنوك المغرب بإصدار مبادئ توجيهية جديدة بشأن عدد العملاء الذين يمكن تواجدهم في أحد الفروع في وقت واحد ، و قامت بتشجيع العملاء على استخدام القنوات الرقمية بما في ذلك ماكينات الصرف الآلي.

إن خدمات تحويل الأموال هي أيضا في غاية الأهمية أثناء هذه الفترة. كما أن الحوالات المالية غالبا ما تكون شريان مهم للحياة. و على الرغم من أن الطبيعة العالمية لهذا الوباء تعني أن الآثار المترتبة عليه ؛ تؤثر سلبا على كل من الذين يرسلون الأموال و الذين يستلمونها ، إلا أن الآثار تفاوتت في المناطق داخل البلد الواحد و كذلك فيما بين البلدان. و قد قامت كل من منظمة سينفري و معهد الآفاق الرقمية باستضافة ندوة عبر الإنترنت مؤخرا ، و تم توقع أن تدفقات الحوالات المالية فيما بين أوروبا و أفريقيا قد تنخفض من 5% إلى 25% كنتيجة لانتشار الوباء. إن الإبقاء على فتح هذه القناة المهمة سوف يمثل عنصرا أساسيا في إستراتيجيات التأقلم للأشخاص المتضررين. و هذا يعني ضرورة التأكد من أن الوكلاء لديهم التدابير الوقائية الصحيحة من أجل بقائهم بصحة جيدة و أن يكون لديهم سيولة كافية للوفاء بالاحتياجات اليومية. و سوف يكون من المثير للاهتمام معرفة ما يقوم به مقدمي الخدمات للحفاظ على قوة شبكات الوكلاء الخاصة بهم.

وتعتبر الخدمات الائتمانية واحدة من أكثر المنتجات المالية تأثرا في حالات الأزمات. و قد لا يستطيع عملاء الائتمان الحاليون أن يقوموا بالسداد في الوقت المحدد نظرا للضغوط التي يتعرضون إليها و الخاصة بصحتهم و مصادر دخلهم و الانكماش الاقتصادي بشكل عام. فكيف يجب على مقدمي الخدمات المالية التعامل مع هذه المشكلة ؟ لقد كانت الممارسات الجيدة المستخلصة من أوضاع أخرى للأزمات متوافقة ، و من الممكن أن تكون قابلة للتطبيق خلال فترة انتشار هذا الوباء أيضا. وتتضمن ما يلي:

1. التركيز على فهم آثار الأزمة على الفئات المختلفة من العملاء

قد يتأثر المزارعون و البائعون بشكل مختلف ، و ذلك على سبيل المثال. و قد تتمكن شركات الأغذية من العمل إذا كانت قادرة على التوصيل أو إذا كان بإمكانها الاستمرار في فتح محلاتها ، بينما تتأثر صالونات الحلاقة بشكل شديد.

2. الاستجابة حسب احتياجات العملاء

يجب تحديد العملاء الذين من المحتمل أن يتمكنوا من التعافي بسرعة بمجرد استئناف النشاط الاقتصادي ، و كذلك تحديد العملاء اللذين لا يستطيعون اتخاذ التدابير المناسبة.

  • النظر في إعادة الجدولة للأعمال الحيوية. يجب عرض إعادة جدولة القروض للعملاء الذين لديهم القدرة على إعادة تشغيل أعمالهم بسرعة.
  • النظر في منح قروض جديدة للمشروعات ذات الأهمية الكبرى أو المشروعات ذات النمو المرتفع. فقد تكون بعض المشروعات الصغيرة مشروعات حيوية و لديها القدرة على النمو أثناء انتشار الوباء. فهناك مشروعات تكون قادرة على النمو أثناء هذه الفترة مع زيادة الضخ لرأس المال ، مثل مشروعات خدمات التوصيل و محلات البقالة و الرعاية الصحية و البيع عن طريق منصّات التجارة الإلكترونية. و يجب على مقدمي الخدمات المالية النظر في تغيير سياساتهم من أجل زيادة الموارد المتاحة لهذه المشروعات.
  • النظر في التسامح مع المشروعات غير القابلة للاستمرار. يجب النظر في العمل مع منظمات المساعدات الإنسانية لتقديم منح للعملاء الذين لديهم مشروعات صغيرة غير قادرة على الاستمرار. و يجب دراسة التسامح مع هذه القروض دون التأثير على التاريخ الائتماني للعميل ، و ذلك من أجل الاقتراض المستقبلي بواسطة هؤلاء العملاء.

3. الحذر من الاستجابة الشاملة لجميع العملاء

إن الاستجابة الشاملة عادة لا تعتبر من أفضل الممارسات ، مثل إعادة الهيكلة لجميع العملاء أو التسامح مع جميع العملاء. وبالرغم من أنها قد تبدو الاستجابة الأكثر إنسانية ، إلا أنها قد تؤدي أيضا إلى عواقب سيئة في المستقبل. و يمكن إظهار الإنسانية بطرق أخرى ، مثل تسهيل المساعدات الإنسانية أو إلغاء رسوم التأخير أو عدم إبلاغ مكتب الاستعلام الائتماني عن الدفعات المتأخرة ، و ذلك نظرا للطبيعة الاستثنائية لهذه الأزمة.

الاستثمار في القدرة على الصمود

إن الجانب المضيء الوحيد لهذا الوباء هو أنه لا يوجد مقدم خدمات مالية إلا و يرى أهمية خطط الاستعداد و تدابير استمرارية الأعمال. و من المتوقع أن يقوم المزيد من مقدمي الخدمات المالية بالتركيز على تحسين نظم المعلومات الإدارية الخاصة بهم و تحسين استخدامهم لتكنولوجيا العمل عن بعد ، و كذلك تحسين تدابير أمن الفضاء الإلكتروني من أجل ضمان أمن أنظمتهم و سهولة الوصول إليها لفترات طويلة عند بعد. كما نتوقع أنه سيكون هناك المزيد من الجهود التي يقدمها مقدمو الخدمات المالية و مجالس إدارتهم و المستثمرون من أجل عمل تسهيلات للسيولة ، و هذه الجهود من الممكن أن تتضاعف خلال الأزمات المستقبلية لمعالجة نقص السيولة. و قد كانت هذه الاستجابة نموذجية في حالات الأزمات السابقة، مثلما حدث في الأزمة المالية لعام 2008 ، إلا أنه ليس من الواضح الآن عدد مقدمي الخدمات المالية الذين سوف يمكنهم الاستفادة من هذه الجهود.

علينا التفاؤل: سوف نتعافى و نصبح أقوى

إن المبادرات التي يقوم بها الناس في كل مكان مؤثرة للغاية ، بدءا من المتطوعين في مدينة نيويورك الذين يجمعون و يتبرعون بالمستلزمات الطبية للمستشفيات ، و وصولا إلى الأشخاص الذين يساعدون في توصيل الطعام للمسنين ؛ أو حركة نشر الرعاية  في كندا.

إن مجتمع المانحين ينمو بشكل متزايد. و تقوم العديد من المؤسسات في الولايات المتحدة بدورها في دعم شركائها من خلال  الدعوة إلى الإستجابة التي نظمها مؤخرا مجلس المؤسسات الخيرية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. كما أن الجهات المانحة الدولية و مؤسسات التمويل الإنمائي ، تقوم بالتواصل مع شركائها و البحث عن طرق المساهمة في هذه الفترة الاستثنائية. و قد أعلنت كل من شبكة  أومديار و مؤسسة  روكفيلر و مؤسسة سيتي  و غيرهم ، عن تمويل و تدابير خاصة من أجل دعم الاستجابة لوباء كوفيد-19. إن ذلك يعطينا الأمل في أن نتخطى هذه الأزمة و نصبح أقوى بعد مرورنا بهذه التجربة.

المقال الرئيسي بالإنجليزية على مدونة مركز الإدماج المالي التابع لأكسيون.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.