مدونة البوابة

الفرص والتحديات عند التحول من منظمة غير حكومية إلى مؤسسة مالية رسمية

قصة أندا للتمويل الأصغر في تونس
مقترضة شابة من أندا تمويل، تونس 2017.

كيف تعرف مؤسسة التمويل الأصغر ما سيكون عليه الحال عند التحوّل من منظمة غير حكومية إلى مؤسسة مالية رسمية ؟ إن العديد من المنظمات غير الحكومية تقوم بدراسة عملية التحوّل من أجل إدراك إمكانية النمو الخاصة بها وكذلك من أجل جذب المزيد من الاستثمارات؛ وذلك في ظل وجود صناعة متزايدة التعقيد ومنافسة من البنوك التجارية وشركات المالية الرقمية . إلا أن طريق التحوّل غالبا ما قد يكون طريقا وعرا كما هو واضح في تقرير مركز الشمول المالي بعنوان "المواءمة بين المصالح: التعامل مع حوافز الإدارة وأصحاب المصالح أثناء عمليات تحوّل مؤسسات التمويل الأصغر". إن مشاكل الامتثال للوائح التنظيمية وعقبات تكنولوجيا المعلومات وكذلك المواءمة مع احتياجات المنظمة غير الحكومية و المستثمرين؛ غالبا ما قد يكون من شأنها تعقيد عملية التحوّل. وبالنسبة لحالة مؤسسة "أندا تمويل" وهي أكبر وأقدم مؤسسة للتمويل الأصغر في تونس ، فقد كان قرار التحوّل ناتجا عن ضغوط خارجية وصعوبات تشغيلية وتركيز من أجل الحفاظ على رسالتها.

أسماء بن حميده، أندا للتمويل الأصغر، تونس. CFI 2016.

لقد قام كل من أسماء بن حميده و مايكل كراكنيل بتأسيس مؤسسة أندا العالم العربي في عام 1990، "لكي يصبحوا عناصر فاعلة وليس مجرد متحدثين عن التنمية". و بدأت المؤسسة بتقديم التثقيف الصحي للنساء وفصول تدريبية للأطفال، وقامت بتقديم الائتمان الأصغر في عام 1995. ولم تتوقف عن النمو منذ ذلك الحين بالرغم من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في تونس. وبنهاية عام 2016 ؛ بلغت محفظة مؤسسة أندا 372 مليون دينار تونسي (190 مليون دولار) و تقوم بخدمة 300,000 من أصحاب المشروعات الصغرى من خلال 80 فرعا. وأصبحت أندا عام 2015 ؛ أول مؤسسة تمويل أصغر في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تحصل على شهادة "الحملة الذكية" مما يدل على التزامها بمعاملة عملائها برعاية كافية. 

وقد كانت عملية التحوّل محل اهتمام كل من بن حميده وكراكنيل - مؤسسي أندا. وقد أمضيا سنوات عديدة في الإطلاع ودراسة الموضوع والقيام بزيارات لمنظمات أجنبية غير حكومية للتمويل الأصغر والتي كانت قد قامت بالتحوّل إلى بنوك. وقد قاما بطلب المشورة من أجاي باندولا، أحد كبار المديرين السابقين لبنك إتش إس بي سي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد صرّح  أجاي :"إن عملية التحوّل لا تصلح للجميع. وفي حالة أندا، فهي بالتأكيد كانت الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به". و بنفس القدر من الثقة في اتخاذ قرار التحوّل ؛ واجهت "أندا" صعوبات حقيقية على أرض الواقع.

دراسة البيئة التنافسية

قامت الحكومة التونسية في عام 2011 بوضع قانون للتمويل الأصغر يهدف إلى جذب رؤوس الأموال والتوسع في سوق التمويل الأصغر التجاري. وقد سمح ذلك بدخول وافدون جدد في السوق و زيادة سقف القروض من 5,000 دينار تونسي لجمعيات التمويل الأصغر إلى 20,000 دينار تونسي لشركات التمويل الأصغر. وقد كان ذلك يمثل أهمية خاصة لاستثمارات مؤسسة "أندا" في القطاع الزراعي (حيث غالبا ما توجد الحاجة لمبالغ قروض أعلى)، وكذلك للعملاء المستدامين أصحاب المشروعات المتنامية. وبالفعل قام المنافسون بإستهداف عملاء أندا الراغبين في قروض أكبر. وبحلول عام 2013 ؛ اقتربت "أندا" من حدود نسبة الدين إلى حقوق الملكية واحتاجت إلى المزيد من رأس المال من أجل المضي قدما. إن الضغط التشغيلي و زيادة المنافسة التي نتجت عن هذا القانون ؛ قد شجعا "أندا" على السعي لتحقيق خطتها للتحوّل.

البحث عن مستثمرين من أصحاب الأفكار المشتركة

لقد كان من الصعب على مؤسسي أندا الأخذ في الاعتبار توقعات الربح والأطر الزمنية للاستثمار قصير الأجل وإيجاد المستثمرين المناسبين ؛ وذلك لأن مؤسسة "أندا" كانت تعمل لسنوات عديدة كمنظمة غير حكومية تقوم بالتركيز على الجانب الاجتماعي. وقد شبّهت بن حميده ذلك بالترتيب لزواج البنات والتأكد من إيجاد الزوج الصالح. "إننا خائفون جدا من ترك هذه المؤسسة الرائعة في أيدي من لا يكون صالحا. توجد مشكلة ثقة ولا نعرف كيف سيكون رد فعل الناس".

لقد كانت "أندا" دائما تركز بقوة على التغيير الاجتماعي و تمكين المرأة. و تذكرت بن حميده قائلة: "لقد اعتادت أمي على نسج السجاد ولكنها لم تذهب أبدا لبيعه بالسوق. وكان يوجد رجل وسيط كان يأتي ليأخذ السجاد ويبيعه بهامش ربح كبير. لم تكن أمي تعرف أي شيء عن التفاوض أو عن مقدار المبلغ الفعلي الذي باع به السجاد". وأضافت قائلة: "إن كسب النساء للمال الخاص بهن بجانب التثقيف المالي قد مكنهن وجعلهن يساهمن في صنع القرار". إن إيجاد المستثمرين المناسبين قد انطوى على اتفاقية مستثمر من شأنها إعطاء مؤسسة "أندا" حق الرفض (الفيتو) على الأمور الخاصة بالالتزام بالرسالة عندما لا تكون لديها أغلبية الأسهم. وقد تضمن الاكتتاب العام لمؤسسة "كومبارتاموس" بالمكسيك شيئا مشابها لذلك من أجل حماية الرسالة الاجتماعية.

تحدي التحوّل بمؤسسة عملاقة

عندما بدأت "أندا" في عملية التحوّل في عام 2015 ، كان لديها 200,000 عميلا نشطا وكان ذلك أكثر بكثير من متوسط حجم العملاء الذي عادة ما يكون لدى مؤسسة التمويل الأصغر عند التحوّل والذي يتراوح بين 30,000 و50,000 عميل. لقد كان الحجم يمثل تحديا كبيرا على المستوى التشغيلي والقانوني. وأضاف كراكنيل : "كان على كل عميل أن يوقع على اتفاقية لتحويل حساباته من المنظمة غير الحكومية إلى الشركة. و كان لدى البعض مشاكل في فهم العملية. ورفض البعض القيام بذلك. و كان على جميع الموظفين البالغ عددهم 1,300 موظفا القيام بالتوقيع على عقود جديدة مع الشركة، فيما عدا 20 موظفا استمروا مع المنظمة غير الحكومية. وكذلك كان يجب تحويل كل العقود الأخرى بما فيها عقود إيجار الفروع والقروض التي حصلنا عليها من شركائنا الماليين". وسوف يقوم الذراع غير الهادف للربح المتمثل في منظمة أندا العالم العربي بتقديم الخدمات غير المالية لعملاء شركة أندا تمويل.

وتنصح أندا المنظمات المهتمة بالتحوّل باتخاذ الخطوات اللازمة مبكرا عندما تكون المنظمة أصغر حجما وأقل تعقيدا من أجل اتمام عملية التحوّل بسلاسة أكثر.

إن عملية تحوّل "أندا" تطرح بعض الاعتبارات لمواءمة المصالح خلال هذه العملية. وقد تمت المشاركة بهذه القصة مؤخرا كدراسة حالة خلال  ندوة الحوكمة والقيادة الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تم انعقادها بمدينة عمّان بالأردن. و قد تم تنظيم الندوة على غرار برنامج الزمالة الأفريقي لمجالس إدارات مؤسسات التمويل الأصغر التابع لمركز الشمول المالي. وقد حضر الندوة الإقليمية في الأردن ما يزيد عن 40 مديرا تنفيذيا وأعضاء مجالس إدارة من 19 مؤسسة رائدة للتمويل الأصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تعزيز قدرة مجالس الإدارة من خلال التعلم من الزملاء وتبادل الخبرات. وقد تم أيضا القيام بتقييم الاحتياجات التقنية وتحديد الطلب من قبل مؤسسات التمويل الأصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبرامج تنمية القدرات المتخصصة في مجالات الحوكمة والقيادة الاستراتيجية. وقد كشف هذا التقييم أن حوالي 25% من المؤسسات تأخذ في الاعتبار عملية التحوّل من أجل النمو و جذب الاستثمارات. إن قصة "أندا تمويل" تنطبق على بعض المؤسسات، إلا أنها لا تغطي جميع الأمور التي يجب على مؤسسات التمويل الأصغر مراعاتها عند التحوّل إلى مؤسسة مالية رسمية حيث تختلف أوضاع السوق والبيئة التنظيمية ليس فقط من مؤسسة لأخرى بل من بلد لآخر.

*المقال الرئيسي بالإنجليزية على مدونة مركز الشمول المالي التابع لمنظمة أكسيون. 

 

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.