سلم: آلية مبتكرة للتمويل الزراعي
يعاني أكثر من 6 ملايين باكستاني من أصحاب الحيازات الصغيرة التي تقل عن 10 أفدنة من قلة خيارات التمويل التي تمنعهم من بناء الأصول بمضي الزمن. ولا يستطيع أغلبهم التوجه إلى البنوك بل يعزفون عن التوجه إليها لأن هذه الخطوة تستلزم استخدام الأراضي كضمان ورد القروض على أقساط شهرية صارمة ودفع غرامات في حالة تأخر سداد المدفوعات. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب العثور على بنك بالقرب من المنزل وعند الوصول إليه يمكن أن تكون صفوف الانتظار طويلة ويستغرق الحصول على الموافقات وقتاً طويلاً. يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر توفير خيار رد القرض على دفعة واحدة، إلا أن المبالغ تعتبر صغيرة جداً بالنسبة لاستثمار ضخم.
وبدلاً من ذلك، يميل المزارعون إلى القيام بما اعتادوا عليه منذ قرون: فهم يستعينون بالوسطاء الذين يستجيبون لاحتياجاتهم التمويلية الزراعية والشخصية منذ فترة طويلة. انتقل هذا النظام غير الرسمي من جيل إلى جيل، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى كبّل المزارعين بديون دائمة.
يزود الوسطاء المزارعين بشكل مباشر بالبذور والأسمدة ويحصلون المبلغ المساوي لها في صورة محاصيل وقت الحصاد. ويسود سعر السوق اليومي عند التسوية التي تتم مباشرة بعد الحصاد حين تكون الأسعار في أدنى مستوياتها. ويعمد الوسيط إلى تخزين المحاصيل وبيعها بعد عدة أسابيع حين تكون أسعار السوق قد ارتفعت بنسبة تتراوح بين 25% و 30%. وبعد فترة قصيرة، وعندما تظهر الحاجة إلى البذور والأسمدة والمبيدات وغيرها من المستلزمات للمحصول التالي، لا يمتلك المزارع في أغلب الأحوال سيولة كافية لتغطية احتياجات المحصول والاحتياجات المنزلية لأسرته. ونتيجة لذلك، يلجأ المزارع إلى الوسيط للحصول على دورة تمويلية أخرى. وتشير بعض التقديرات إلى أن الوسطاء يمولون 50% على الأقل من أصحاب الحيازات الصغيرة في باكستان.
بديل أفضل
منذ عام 2009، أتيح للمزارعين في ولاية البنجاب خيار تمويلي آخر اسمه "سلم"، يمنحهم دوراً أكبر في عملية اتخاذ القرار. وهذا الخيار تقدمه مؤسسة واصل، وهي منظمة غير حكومية باكستانية حازت على جائزة تحدي التمويل الأصغر الإسلامي لعام 2013 . وتمويل "سلم" عبارة عن اتفاق شراء مسبق مقابل تسليم محصول في المستقبل. وهو مهيأ بشكل جيد بحيث يلائم احتياجات المزارعين ومبتكر بطرق متعددة:
- توفر مؤسسة واصل التمويل نقداً ويُرد إليها في صورة محاصيل وقت الحصاد. ويتحدد السعر وقت التمويل ويجري التفاوض عليه بين المزارع ومؤسسة واصل بناء على سعر العام السابق وظروف الطقس المتوقعة.
- ويتسنى للمزارع اختيار بذور وأسمدة ذات جودة أعلى، في الوقت الذي يحدده ومن تجار التجزئة الذين يختارهم. ويؤدي ذلك إلى زيادة الغلة، التي تردد أنها ارتفعت بنسبة تتراوح بين 15% و 30% على أقل تقدير.
- وعند الحصاد، يسلم المزارع إلى مؤسسة واصل كمية المحاصيل المساوية لمبلغ التمويل بالسعر الذي تم التفاوض عليه. ثم يبيع أي كمية متبقية من المحصول في السوق. وشأنها شأن الوسيط، تبيع مؤسسة واصل المحاصيل عند ارتفاع الأسعار، وتحصل بذلك على أرباحها من السوق.
- ووفقاً لخطة التمويل التي تقدمها مؤسسة واصل، يحتفظ المزارعون على الأقل بنصف الإنتاج المتوقع، في حين أن الوسطاء يتركون في المعتاد ما بين 20% و 30%- وهي نسبة تكفي بصعوبة لتغطية الاحتياجات الاستهلاكية الخاصة بالأسرة.
وتشير مؤسسة واصل إلى أن مزايا تمويل سلم تكفي للسماح للمزارعين ببناء الأصول وإعالة أنفسهم فوق مستوى خط الفقر في غضون خمس دورات تمويلية أو ثلاث سنوات تقريباً. ويقتصر برنامج سلم في الوقت الحالي على القمح والأرز نظراً للسهولة النسبية لتوقع أسعارهما وتخزينهما.
نموذج الأعمال
يعد عرض سلم من الخيارات المستدامة لمؤسسة واصل، حتى على نطاق صغير. فقد مولت المؤسسة 1200 عقد سلم فقط حتى الآن، بإجمالي معدل انتشار بلغ 430 مزارعاً في أي فترة زمنية. ومع ذلك، فهي تجني أرباحاً بالفعل من هذا النشاط. ويتفاوت هامش الربح على عقود سلم حسب المحصول وحسب السنة، إلا أنه يبلغ 30% في المتوسط. وبناء على تدفقات نقدية فعلية، فإن هذه النسبة تساوي معدل عائد داخلي يبلغ 45%، وهي نسبة من المفترض أن تكفي لنمو محفظة سلم نمواً مستداماً، حيث تمثل في الوقت الحالي 10% من إجمالي أصول مؤسسة واصل.
وكان لفوز مؤسسة واصل بجائزة تحدي التمويل الأصغر الإسلامي بقيمة 100 ألف دولار تأثير مضاعف. فقد استخدمت الأموال في شراء أرض وبناء مستودع في جوجرا التي تقع على بعد 200 كيلومتر جنوب غرب لاهور. ويمكن للمستودع تخزين كمية تصل إلى 800 طن من المحاصيل، مع إمكانية التوسع إلى 2300 طن (أدت أكبر عملية تمويل في شهر أيار/ مايو 2014 إلى قيام مؤسسة واصل بجمع 870 طناً من المحاصيل). وأتاح هذا لمؤسسة واصل تلبية الطلب المتزايد. ولن تحتاج أيضاً بعد الآن إلى تأجير مستودعات لا تكفي لتخزين المحاصيل. وأدت الجائزة أيضاً إلى جذب ممولين آخرين مهتمين بالتمويل الإسلامي، ما أتاح لمؤسسة واصل تجميع تمويل إضافي بقيمة 80 ألف دولار من مؤسسات محلية مثل صندوق إحسان وأخوات. ثمة أثر إيجابي آخر هو أن ست مؤسسات في باكستان تعمل الآن على تجريب منتجات سلم.
كيف يمكن تكرار التجربة؟
تجربة سلم قابلة للتكرار إلا أن هناك عدة عوامل تؤثر على نجاحها كما يلي:
- يجب تهيئة مكان التخزين المتاح بحيث يتوافق مع نوع المحصول الممول. فالقمح على سبيل المثال سهل التخزين، أما الأرز فيجب تجفيفه قبل التخزين، والقطن يستلزم رقابة دقيقة على مستويات الرطوبة وغير ذلك.
- تمويل سلعة أولية من خلال اتفاق شراء مسبق مستدام بالنسبة لمقدّم التمويل عندما تكون الأسعار إما مستقرة أو تتجه اتجاهاً تصاعدياً، كما هو الحال مع القمح في باكستان بفضل دعم الحكومة للمحصول. إلا أن انخفاض أسعار المحاصيل في وقت الحصاد يمكن أن يكبد الممول خسائر جسيمة. تتحوط مؤسسة واصل جزئياً من هذا الانخفاض عن طريق تجنيب 2% من مبلغ التمويل.
- قد يميل أصحاب الحيازات الصغيرة إلى بيع محاصيلهم مباشرة في السوق وقت الحصاد إذا كانت الأسعار أكثر جذباً من السعر التعاقدي المتفق عليه مسبقاً. تخفف مؤسسة واصل هذا البيع الجانبي بأن تعرض رد أي أرباح تحققها تتجاوز 30% من السعر المتفق عليه. وقد يؤدي هذا إلى تعزيز الاحتفاظ بالعملاء إلا أنه يؤدي إلى الحد من الأرباح.
- يجب حماية المحاصيل من التلف والمخاطر قبل الحصاد وبعده، مع استفادة المزارعين من التأمين على المحاصيل واستفادة الممول من التأمين على المخزون. ويعد الخيار الأخير غير متاح لمؤسسة واصل التي تتحمل مخاطر التخزين بعد الحصاد خلال شهرين.
- يستلزم توسيع نطاق هذه الخدمة استثمارات مسبقة في رأس المال العامل ومنشآت التخزين. وللوصول إلى 10 آلاف مزارع، تحتاج مؤسسة واصل إلى 6.5 مليون دولار من تمويل المحفظة.
- ويجب فهم الاشتراطات القانونية فهماً جيداً. وعند تنفيذ برنامج سلم، أدركت مؤسسة واصل أنها في حاجة إلى ترخيص خاص لتخزين المحاصيل أو نقلها من مقاطعة إلى أخرى.
وترتبط خبرة مؤسسة واصل بولاية البنجاب، ويمكن توسيعها لتشمل مناطق أخرى في باكستان ذات جوانب تشابه معها. ومع ذلك، فهناك حاجة إلى مزيد من التجريب والبحث لفهم الظروف التي يمكن في ظلها تكرار التجربة في بلدان أخرى ولمحاصيل أخرى. فعلى سبيل المثال، من غير الواضح ما إذا كان برنامج سلم سيكون مستداماً إذا لم يتح للمزارعين الحصول على مياه الري. كما أن المبادئ المحاسبية الموحدة ومقاييس الأداء مهمة هي الأخرى لفهم إمكانيات منتجات التمويل المذكورة. وفي الوقت ذاته، يظل العرض المقدم من مؤسسة واصل جديراً بالمتابعة، سواء بالنسبة لأصحاب الحيازات الصغيرة أو من يسعون إلى دعمهم.
يمكنكم مشاهدة فيديو (بالإنجليزية) حول تجربة مؤسسة واصل الباكستانية عبر هذا الرابط.
معالجة الفجوة التمويلية والتسويقية من خلال عقد السلم والسلم الموازي في القطاع الزراعي الفلسطيني
اترك تعليق