مدونة البوابة

كيف يمكن للجهات التنظيمية تعزيز إئتمان رقمي أكثر مسؤولية

أبرز النتائج من دراسة مراقبة سوق الإئتمان الرقمي في تنزانيا
تصويرنارمادا ديواسي.مسابقة سيجاب للتصوير 2017.

قامت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) بإجراء بحوث في سوقين للإئتمان الرقمي يتسمان بنموهما السريع وهما كينيا وتنزانيا. وقد أظهرت هذه البحوث أن الإئتمان الرقمي لم يصل بعد إلى مستوى إمكاناته من أجل التقدّم بالشمول المالي. كما أن الالتباس الشائع حول شروط و أحكام القروض بجانب ارتفاع معدلات تأخر وتعثر السداد يشير إلى الحاجة لاتخاذ تدابير أقوى لحماية المستهلك. إن الأبحاث التي أجرتها سيجاب والتي تضمنت تجربة حديثة لمراقبة السوق  بالتعاون مع بنك تنزانيا، تشير إلى بعض الإجراءات المحددة التي يمكن للجهات التنظيمية أن تتخذها عن طريق الاستفادة من حجم نمو البيانات التفصيلية لمعاملات تحويل الأموال عبر الهواتف المحمولة. وتتسق هذه الإجراءات مع توجيهات الشمول المالي المستمدة من لجنة بازل و فريق عمل مجموعة العشرين/منظمة التعاون والتنمية الخاصة بحماية المستهلك المالي والشراكة العالمية من أجل الشمول المالي.

تحسين الشفافية الخاصة بشروط وأحكام القروض

إن بيانات المعاملات لأكثر من 20 مليون قرض رقمي والتي تمت على مدار 23 شهرا في تنزانيا قد أظهرت أن العديد من المقترضين كانوا يعانون من أجل سداد قروضهم. وقد تعثر المقترضون في السداد بنسبة تقدّر بحوالي 20% من قروض العيّنة (4 مليون)، وقد تأخروا في سداد 40% من القروض (8 ملايين). كما وجدنا أيضا أن المقترضين المتكررين كانوا عرضة لخطر الدخول في فخ المديونية. إن أحد أهم الأمور التي يمكن أن تقوم بها الجهات التنظيمية للحدّ من هذه الأرقام هو تحسين الشفافية لشروط وأحكام القروض مما يسهّل على العملاء اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على المعلومات.

إن الاستقصاء الممثل للسوق المحلي بتنزانيا الذي أجرته سيجابعبر الهاتف يشير إلى أن الشفافية الضعيفة مرتبطة بارتفاع معدلات التأخر والتعثر في السداد. وتشير بيانات المعاملات كذلك إلى أن المقترضين سوف يستفيدون من المزيد من الشفافية. وأظهر الاستقصاء أن معظم المقترضين لأول مرة قد قاموا إما بالسداد المبكّر جدا أو المتأخر وينتهي بهم الأمر إلى سداد معدلات سنوية للفائدة تكون أعلى مما يسددها المقترضون الذين يسددون في الموعد الرسمي المستحق. وغالبا ما يبدأ المقترضون الجدد بالحصول على مجموعة من القروض قصيرة الأجل ثم يتم تحويلها إلى قروض طويلة الأجل بمعدّل فائدة سنوي يكون أقل مع مرور الوقت. و هذا يشير إلى أن العملاء كان عليهم أن يتعلموا الطريقة الصعبة وهي أن القروض الأطول أجلا تكون أقل تكلفة.

يجب على الجهات التنظيمية مطالبة المقرضين الرقميين بتزويد جميع العملاء بالمعلومات المتعلقة بالشروط والأحكام الرئيسية بما في ذلك التكلفة الإجمالية للائتمان (رسوم الخدمات ذات الصلة والرسوم المطبّقة على جميع القروض) ، وكذلك المعلومات الخاصة بما يترتب على السداد المبكر أو المتأخر بما في ذلك مبالغ الرسوم. ويجب تقديم هذه المعلومات بطريقة واضحة وسهلة الفهم من خلال جميع قنوات توزيع الخدمة ذات الصلة. وقد قامت سيجاب استنادا إلى تجارب مع العديد من المقرضين الرقميين بالتوصية ببعض الحلول العملية من أجل تحسين الشفافية، مثل توفير السعر والمعلومات الرئيسية الأخرى قبل قبول العميل للقرض أو جعل العملاء يرفضون فحص ملخص الشروط والأحكام.

اعتماد سياسات أقوى لتقييم مخاطر الإئتمان

إن توافر نماذج أفضل لفرز الإئتمان وحوكمة المنتجات المالية، من شأنها أيضا أن تحدّ من التأخر والتعثر في السداد. ويعتبر المقترضون لأول مرة الذين يحصلون على قروض أقل من 10,000 شلن تنزاني (حوالي 5 دولار) هم المجموعة الأكثر احتمالا للسداد المتأخر أو التعثر في السداد. وفي أسواق مثل سوق تنزانيا حيث تم تقديم الإئتمان الرقمي لبضع سنوات وجمع المقرضون قدرا كبيرا من البيانات، فإنه يمكن تعديل نماذج فرز الإئتمان لكي تتنبأ بشكل أفضل بقدرة المقترضين لأول مرة على السداد. و يجب على الجهات التنظيمية تقييم مدى ملاءمة النماذج المتوفرة والمطالبة بتعديلات مبنية على تحليل الكمية المتزايدة من البيانات التفصيلية المتاحة عن الائتمان الرقمي ومدى تأثيرها على المقترضين. وقد تكون عمليات المراقبة مفيدة مثل ما تقوم به سيجاب من تحليل لبيانات المعاملات بالتعاون مع بنك تنزانيا.

الحوكمة الجيدة والعدالة في الإئتمان الرقمي سوف تساعد مقدمي الخدمات في تقديم القروض الأولى واللاحقة لها والتي تراعي احتياجات وقيود المقترضين مما يؤدي إلى نتائج إيجابية للعملاء.

إن الجهات التنظيمية من الممكن أن تجعل الإئتمان الرقمي يعمل بشكل أفضل للعملاء عن طريق مطالبة المقرضين بإجراء تقييمات مناسبة للعملاء والمنتجات لكي يقوموا بتقديم منتجات تتناسب مع احتياجات العملاء. وتشير بيانات المعاملات في تنزانيا إلى أن عددا كبيرا من المقترضين يقومون بالسداد المتأخر بشكل دائم ويتكبدون غرامات تراكمية كبيرة دون الحصول على زيادات ملموسة في مبالغ القروض الخاصة بهم. ويوجد حوالي 3% من المقترضين قد حصلوا على خمسة قروض وسددوها متأخرين بمتوسط معدّل فائدة سنوي يزيد عن 700%. ويبدو أن شروط القروض اللاحقة التي يحصل عليها المقترضون المتأخرون في السداد (مثل أجل الاستحقاق والقيمة وجدول السداد) ؛ لم يتم تعديلها بطريقة من شأنها تشجيعهم على السداد وتقليص مخاطرهم للوقوع في فخ المديونية، والتي يمكن أن تضرّ المقترضين وتجعلهم أكثر عرضة للتعثر في السداد. وكان من الممكن خدمة هؤلاء المقترضين المتكررين بشكل أفضل، ما إذا كان تم منحهم قروض لأول مرة بآجال أطول. وبالنسبة للجهات التنظيمية، توجد طريقة لضمان ملاءمة المنتجات وهي مطالبة المقرضين بأن يكون لديهم عمليات وإجراءات مناسبة لحوكمة المنتجات المالية من حيث تصميمها والموافقة عليها وتوزيعها ومراجعتها وتعديل المنتجات المالية الفردية. كما أن الحوكمة الجيدة والعدالة في الإئتمان الرقمي سوف تساعد مقدمي الخدمات في تقديم القروض الأولى واللاحقة لها والتي تراعي احتياجات وقيود المقترضين مما يؤدي إلى نتائج إيجابية للعملاء. فعلى سبيل المثال، يمكن للمقرضين أيضا أن يقوموا بمكافأة المقترضين الذين يسددون في وقت مبكّر بمنحهم تخفيضات على القروض اللاحقة.

 

تعزيز تبادل المعلومات دون الإضرار بالمقترضين

إن معدّل التعثر في سداد القروض الأولى التي تقلّ عن 10,000 شلن تنزاني يقدّر بحوالي 40% ، بينما بلغ معدّل القروض الأكبر حجما نسبة أقل من 25%. و بما أن هذا التباين يبدو أنه مرتبط بالنماذج الضعيفة لفرز الإئتمان ؛ فقد يكون هناك جانب سلبي غير متناسب لتقديم التقارير إلى مكتب الاستعلام الائتماني يتمثل في ملايين المقترضين الفقراء الذين يعانون من أجل سداد قرضهم الأول. ومن خلال مطالبة المقرضين بالإبلاغ عن هؤلاء المقترضين، فإن الجهات التنظيمية تخاطر بإعادة استبعاد الفقراء الذين قد تم استبعادهم منذ فترة طويلة من النظام المالي الرسمي، بمجرد قيامهم بالبدء في بناء تاريخهم الائتماني.

ويمكن للجهات التنظيمية معالجة هذه المشكلة عن طريق وضع حدّ أدنى للإبلاغ الإلزامي لمكتب الاستعلام الائتماني عن جميع القروض الرقمية التي تستبعد قروض المرة الأولى ذات القيمة الأصغر. وهذا النهج سوف يكون من شأنه تسهيل الامتثال لمتطلبات تقديم التقارير الائتمانية دون استبعاد المقترضين الجيدين الذين غالبا ما يحصلون على قروض لاحقة بحجم أكبر والتي سوف يتم الإبلاغ عنها إلى مكتب الاستعلام الائتماني. وفي الحقيقة، أن الحدّ الأدنى يمنح المقترضين لأول مرة حافزا أقلّ على السداد، مما يثير المخاوف المشروعة للمخاطر الأخلاقية. إلا أن المقرضين الرقميين الذين يقومون بتخفيف المخاطر عن طريق تقديم قروض بتكلفة عالية بدلا من القيام بتقييمات ائتمانية مشددة للمقترضين لأول مرة، يجب عليهم تحمّل بعض المسؤولية عن نموذج الأعمال الخاص بهم (وبشكل خاص إذا كانوا يعلنون عن القروض عن طريق الرسائل النصية أو إعلانات المواقع الإلكترونية المتطفلة).

يمثل الإئتمان الرقمي جزءا كبيرا من نظم المعلومات الائتمانية في البلدان النامية التي لديها أسواق ناضجة للتمويل الرقمي؛ ولذلك فمن المهم أيضا أن تقوم الجهات التنظيمية بمطالبة المقرضين الرقميين بالإبلاغ عن سجلات الملفات الكاملة لجميع القروض التي تزيد عن الحدّ الأدنى. إن المقرضين الرقميين لا يقومون عادة بالإبلاغ عن أي نوع من المعلومات الإئتمانية أو يقومون فقط بالإبلاغ عن القروض المتأخرة ( أي المعلومات السلبية). ولذلك، لا يملك مقدمو الخدمات والجهات التنظيمية معلومات كاملة عن إجمالي الإئتمان الذي تم الحصول عليه بواسطة المقترضين الأفراد وعن قدرتهم على سداد ديونهم. وذلك يجعل من الصعب معرفة ما إذا كانت فقاعة الإئتمان الإستهلاكي قد تتكون على مستوى السوق. إن الإبلاغ عن الملف الكامل يساعد المقترضين الجدد على بناء تاريخهم في سداد الائتمان، ويجعله متاحا للمقرضين الآخرين. إن استخدام نوع التحليل الذي يكون على مستوى المعاملات مثل الذي قامت به سيجاب في تنزانيا، يمكّن الجهات التنظيمية من إعداد قواعد لتوسيع نطاق التقارير الإئتمانية التي توازن بين مزايا المعلومات الإيجابية وبين الآثار المترتبة على التعثر في سداد الأرصدة الصغيرة.

و يظهر تحليل سيجاب لبيانات المعاملات التنزانية أن البيانات التفصيلية حول معدّلات السداد وتكاليف القروض، من الممكن أن تساعد الجهات التنظيمية في الكشف عن نماذج أعمال الإئتمان الرقمي المقلقة أو غير العادلة والتي قد تعتمد على رسوم غير شفافة وتعتمد بشكل أقل على دفعات الفوائد. وقد كان ذلك إشارة إلى التطور غير الصحّي للقطاع في أسواق الإئتمان التقليدي،  ولذلك فمن المهم الكشف المبكر عن الموقف ومراقبته، بما في ذلك الأمور التي تؤثر على المقترضين سواء على مستوى المؤسسة أو القطاع ؛ وذلك من خلال تواجد نظم أفضل لتقديم التقارير الإئتمانية. ومع نضوج أسواق الإئتمان الرقمي وإتاحة المزيد من البيانات، يجب على الجهات التنظيمية مطالبة مقدمي الخدمات بتعديل نماذجهم وإعداد حوافز للسداد تكون أكثر فعالية ولا تعتمد على الرسوم المفرطة.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.